الله قد كتب علينا الصيام كما كتبه على الذين من قبلنا؛ ولكن هل هناك درجات للصيام؟ سؤال ينبغي علينا أن نتدارسه معاً حتى نحقق الصيام بالصورة التي ترضي الله؛ فيرضينا ونتحقق بقوله: "رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه".
وبداية نقول: إن للصيام ثلاث درجات.
النوع الأول: صيام العوام وهو صيام البطن والفرج، وليس هناك شيء آخر؛ ولكن هذا أسقط عنك الفريضة؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، ولم تُغفر الذنوب ولم تعتق من النار ولا أي شيء من تلك الوعود السابقة للمؤمنين أبداً. فيقول النبي أيضاً: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
النوع الثاني: وهو صيام الخواص وهو صيام الجوارح والحواس طوال الشهر؛ حتى بعد الإفطار، أما إذا حافظت على صيام الجوارح وقت النهار فقط وبدأت تشاهد وتسمع ما كنت تسمعه وتراه فيما قبل رمضان؛ فإنك بذلك قد أفطرت ولم تعد من أصحاب صيام الخواص؛ ولكن إذا حافظت على صيام الجوارح والحواس طوال رمضان نهاره وليله تبدأ تنطبق عليك أحاديث النبي عن الفضائل والمميزات التي سيحصل عليها الصائمون يوم القيامة.
ولكن أتصدق أن هناك درجة أعلى من ذلك وهم أصحاب صيام خواص الخواص، يعني أن القلب صائم عن كل شيء ما عدا عبادة الله، مثل تلك المصاحف المكتوب عليها وقف لله تبارك وتعالى؛ إذ نذرها أصحابها لعبادة الله يمارسون حياتهم العادية وقلبهم متعلق ويناجي الله تبارك وتعالى في كل خطواتهم وخلال يومهم في رمضان.
ولكن كيف تحول كل هذا الكلام النظري إلى برنامج عملي في رمضان؟ في البداية سأساعدك أن نضع أهدافنا في رمضان، وأنصحك أن تذهب اليوم وتصنع ورقة عليها أهدافك في رمضان، وتعلقها أمامك في مكان ظاهر؛ حتى لا يصيبك الارتباك والتوهان بمجرد دخول رمضان.
أهدافك في رمضان
1. أنت والصلاة.. ماذا تريد أن تصنع في الصلاة في رمضان فهناك اثنتي عشرة ركعة نافلة في اليوم؛ بالإضافة إلى الفروض الخمس؛ فيقول النبي: "من ثابر على اثنتي عشرة ركعة دخل الجنة"، وفي حديث آخر: "بني له قصر في الجنة". فلا تفوِّت سنة مؤكدة؛ فما بالك بأداء الفرض في رمضان؛ لكن لقبول السنة لابد من تأدية الصلاة في أول الوقت وفي المسجد جماعة، أما بالنسبة للنساء فيمكنهن تأدية الصلاة في بيتك جماعة، وستنالين نفس الثواب بشرط أدائها في أول الوقت.
2. أنت والقرآن.. كم عدد الختمات التي تود قراءتها في رمضان؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".. فالختمة الواحدة -وفق ما قاله النبي- بها 148 مليون حسنة فما بالك بأكثر من ختمة في الشهر الكريم؛ ويقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ ورتل وارتقِ؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها، فاقرأ في رمضان كثيراً.
وانظر معي إلى هذا الحديث: يأتي عبد الله بن عمرو بن العاص إلى النبي ويقول: "يا رسول الله، في كم أختم القرآن؟ قال له: في ثلاثين. قال: أطيق أكثر من هذا. قال له: اقرأه في عشرين. قال: يا رسول الله دعني أتمتع بشبابي. قال له: في خمسة عشر. قال له: يا رسول الله أطيق أكثر من هذا. قال له: في عشر. قال له: يا رسول الله أطيق أكثر من هذا. قال له النبي: في خمس، ولا أقول أقل من ذلك". ويقال: إن أبا حنيفة كان يختم القرآن كل ثلاثة أيام.
3. أنت والصدقة: يقول عبد الله بن عباس: "كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان -حين يأتيه جبريل فيدارسه القرآن- وكان جبريل يأتيه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فَلَرسول الله أجود من الريح المرسلة".
ولكن الجود أعلى من الكرم؛ فكان النبي أعلى أو أكثر الناس جوداً، وكان يُكثر من الجود في رمضان؛ ولكن ما علاقة ذلك بمدارسة جبريل للنبي في رمضان؟ إذا كان لديك جود فلابد أن تكون غنياً، وأكثر شيء يعلي من الجود قراءة القرآن، ويشعر النفس بالغنى؛ وكأن ابن عباس يريد أن يقول إن من كثرة مدارسة النبي للقرآن في رمضان كثر جوده، وكان أجود ما يكون في رمضان.
وكأنه يريد أن يقول: إن أفضل عمل في رمضان هو قراءة القرآن، ولذلك جاء إليه جبريل كل ليلة ليدارسه ويراجع معه القرآن؛ فلو كان هناك عمل أحب من ذلك كان جبريل قد أتى به للنبي في رمضان.
ولكن لماذا لم يجد ابن عباس تعبيراً يصف به كرم وجود النبي في رمضان غير وصفه بالريح المرسلة؟
لأنها من صفاتها ثلاثة أشياء:
1. السرعة الشديدة
2. التتابع وعدم التوقف
3. لا تختص بأحد دون أحد ولا تميّز، أيْ تعمّ الناس كلهم؛ فهل يمكن أن تكون مثل نبيك في رمضان؛ ولكن على قدر إمكانياتك تستطيع أن تكون مثل الريح المرسلة.
4. أنت وصلة الأرحام... يقول النبي: "إن الرحمة لا تتنزل على قوم بهم قاطع رحم"، ويقول: "لا يدخل الجنة قاطع"، ويقول النبي: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها".
5. أنت والتراويح
6. أنت والدعوة إلى الله؛ فكل يوم ادعهم في البيت ولو مرة في الأسبوع لقراءة القرآن، أو لجلسة إيمانية تذكرون فيها الله، وكذلك الجيران، واحرص على أن تجعل في جيبك هدايا تذكر بها أهلك وجيرانك وأصدقاءك بالدعوة إلى الله: كتيب، سبحة، شريط عليه درس، مصاحبة أحدهم إلى المسجد. يقول النبي: "لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها".
7. أنت والدعاء.. رتب دعواتك التي تريد دعاء الله بها، من الآن ستبدأ بنفسك ثم أسرتك وأصحابك ثم المسلمين.
ومن الآن اصنع جدولاً فيه كل هذا.. فهل تستطيع أن تصنع وتحافظ على كل هذا في رمضان