[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]جابر بن حيان ابن الصيدلي الذي أنصف الكيمياء
جابر بن
حيان عالم وفيلسوف عربي كبير، يعد المؤسس الأول لعلم الكيمياء. اسمه “أبو موسى جابر
بن حيان بن عبد الله الأزدي”، ويلقب بالأزدي لأن أصله من قبيلة أزد اليمنية الكبيرة
التي هاجرت بطون منها إلى الكوفة بعد انهيار سد مأرب. ولد جابر بمدينة طوس
الإيرانية عام 720 ميلادية، لأب صيدلي، وكان من أنصار العباسيين، وهاجر من الكوفة
إلى طوس ليشارك في الدعوة لهم، التي كانت نشطة في فارس، لكن جواسيس الأمويين رصدوه
فاعتقل وأعدم.
عاد جابر إلى العراق، وبعد نجاح الثورة العباسية استقر في بغداد،
واتصل بأسرة البرامكة الفارسية البارزة، وتوثقت صلاته بجعفر بن يحيى البرمكي الذي
قدمه للخليفة هارون الرشيد، وكان جابر الذي اقترح على الرشيد جلب الكتب العلمية
اليونانية من القسطنطينية.
بعد نكبة البرامكة هرب جابر إلى الكوفة، وعاش بها
مختفيا عن الأنصار دون أن يعلم أحد مكانه، ولم يعثر له على أثر إلا بعد قرنين من
وفاته، حين كشف عن معمله بعد تهدم بيوت حي “باب دمشق” الذي كان يسكنه، وكان توفي في
مسقط رأسه طوس في عام 813.
ابتدأ جابر بن حيان دراسته بعلوم الدين التي تتلمذ
فيها على كل من حرب الحميري، والإمام جعفر الصادق، الذي صار صديقا له، لكنه مال بعد
ذلك إلى التصوف ودراسة الفلسفة.
وكانت الكيمياء قبله عبارة عن مجموعة من
الممارسات المهنية البدائية، القائمة على الخبرة، التي تتداخل مع الكثير من الحرف
كالتحنيط في مصر القديمة، والدباغة والصباغة والصناعات كالتعدين والزجاج ومواد
الطلاء واستخلاص الزيت والعطور، كما كانت في جانب منها تستهدف “سر الصنعة” أي سر
تحويل المعادن الخسيسة أي الرخيصة الثمن، إلى معادن نفيسة، مثل تحويل الحديد
والرصاص إلى فضة، وتحويل النحاس إلى ذهب.
وبرغم أن جابر كان من المتحمسين للبحث
عن سر الصنعة وتحضير الإكسير، أي السائل الذي ساد الاعتقاد بأن خواصه كفيلة بإحداث
التحول من المعدن الخسيس إلى المعدن النفيس، إلا أن حماسه هذا كان ذا آثار إيجابية،
لأنه شجعه على مواصلة البحث الكيميائي وتطوير الكيمياء من تلك المنزلة البدائية،
التي كانت عليها والتي تعرف باسم السيمياء، إلى المنزلة الراقية التي صارت توصف
معها بأنها علم الكيمياء، عن طريق إضافة الكثير من المعارف العلمية والنظرية إليها،
وإرساء أصولها وطرق التحضير والمعالجات المستخدمة فيها، على نحو استحق معه هذا
العالم العربي الجليل أن يلقب بأبي الكيمياء.
ومن الإنجازات العلمية لجابر بن
حيان في علم الكيمياء أنه ابتكر بعض أجهزة التحضيرات الكيميائية، وعدّل بعض الأجهزة
الأخرى، ووصف في كتاباته الكثير من هذه الأجهزة، ومنها الزجاجي والمعدني، وتوصل إلى
تحضير حمض الهيدروكلوريك “روح الملح” ممزوجا بحمض النتريك، وعرف المزيج الناتج عن
عملية التحضير باسم “ماء الذهب” أو “الماء الملكي” لمقدرته على إذابة الذهب.
عرف
ابن حيان الأحماض العضوية التالية: الخليك والليمونيك والطرطريك، وتوصل إلى تحضير
الصودا الكاوية المعروفة علميا حاليا بأيدروكسيد الصوديم، بغلي الصودا، مع الجير
المعروف بأكسيد الكالسيوم، وتوصل إلى أن الصودا الكاوية مادة أساسية في عمليات
التحضير الكيميائي.
توصل ابن حيان كذلك إلى تحضير نترات الفضة وكربونات الرصاص،
وفصل الزرنيخ من كبريتيد الزرنيخ، وفصل الأنتيمون من كبريتيد الأنتيمون، وميز جابر
بين الأحماض والقلويات، وذكر أنها تتفاعل مع بعضها بعضا لتنتج الأملاح، كما ميز بين
المحلول الحقيقي الناتج عن الذوبان التام للمواد الصلبة في الماء، والمحلول الغروي
أو المعلق الناتج عن انتشار جسيمات المادة الصلبة في الماء بكيفية تسمح عن طريق
الترشيح.
ولم يقتصر جابر في إنجازاته الكيميائية على المجال البحثي، بل كان أيضا
كيميائيا تطبيقا وخبيرا بالصناعات الكيميائية، ومن إنجازاته في هذا المجال وصفه
طرقا بارعة لاستخلاص المعادن، وتحضير الصلب بالمواصفات الصناعية المطلوبة، وحمايته
من الصدأ، ووصفه طريقة صناعة الحبر من كبريتيد الحديد المذهب، ليحل محل ماء الذهب
المرتفع الثمن في تذهيب المخطوطات، ووصفه طرقا مميزة لدباغة الجلود وصناعة الحبر
والورنيش وتشميع الأنسجة، وصبغ الشعر وغير ذلك من مستلزمات الحياة اليومية التي
تعتمد على الكيمياء.
واهتم جابر بإجراء التجارب والتدقيق في الملاحظة واستخلاص
النتائج منها.
وتتردد في كتابات جابر بن حيان المتعددة الدعوة إلى التجربة وعدم
التعويل إلا عليها، مع دقة الملاحظة واتباع التعليمات جيدا، لأن لكل صنعة أساليبها،
بل هو في الواقع يعتبر الواقع سبيلا محتما للتوصل إلى المعلومات حين يؤكد “.. إن
كمال الصنعة العمل والتجربة، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبدا”، ويقول عن
التجربة “.. إن المعرفة لا تحصل إلا بها”.
وينتبه جابر في ذلك العصر المبكر الذي
عاش فيه، إلى اعتماد البحث العلمي على النظام وحسن الترتيب والالتزام بنواميس
الطبيعة، فهذا ما نلمسه من نصائحه لتلميذه “.. ما افتخر العلماء بكثرة العقاقير،
ولكن بجودة التدبير، فعليك بالرفق والتأني وترك العجلة، واقتف أثر الطبيعة في ما
تريده من كل شيء”.
وهذا لا يعني أن جابر توصل إلى منهاج “الطريقة العلمية”
كاملا كما فعل ابن الهيثم والبيروني، اللذان جاءا بعده بأكثر من ثلاثة قرون، لكنه
تشبع ببعض عناصرها شأنه شأن الكثيرين من علماء الحضارة الإسلامية، الذين تشبعوا
بقيم الإسلام التي تستهدف دائما تقويم اعوجاج النفس، وتكسب رجل الشارع البسيط،
ناهينا عن العلم المتبحر، وسمات الأمانة واستقامة الطبع.
كان جابر غزير التأليف
إلى حد بعيد، حتى ليقال إنه ألف خمسمائة رسالة في الكيمياء وحدها، ووضع مؤلفات في
الطب والرياضيات والفلسفة والمنطق والشعر، وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن
المشاط الاسطرلابي، أنه رأى لجابر بمصر مؤلفا في الأسطرلاب يشتمل على مسائل لا نظير
لها، ومن المعروف أيضا أن لجابر رسائل عن المرايا، ومن أشهر مؤلفاته كتاب “الخواص
الكبير”، وتوجد منه نسخة خطية في المتحف البريطاني، و”كتاب السبعين” و”كتاب
الرحمة”، وكلاهما ترجم إلى اللاتينية في العصور الوسطى، وكتاب “الجمل العشرون” الذي
يشتمل على عشرين مقالة في الكيمياء،
وكتاب “الأحجار” وتوجد نسخة خطية منه
بالمكتبة الوطنية بباريس، فضلا عن كتاب “أسرار الكيمياء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]