ايمن السبع
مؤسس المنتدى
الجنس : عدد المشاركات : 21411 العمر : 48 اعلام البلاد : تاريخ التسجيل : 21/02/2008
| موضوع: جـــَهــلُ أبــــي الخميس أكتوبر 01, 2009 6:39 pm | |
| ذهب الفجر ...
أخذوا خيامهم وأتجهوا نحو الشمال..
ظليتُ أنادي واطرق الباب بالسيفِ ...
لماذا الشمال دائما ؟
لانه لا جنوب هناك!
ذهبوا الى خبز آخر , في مكان آخر , والى شعر آخر .
حيث الوجوه طازج , والاغنيات تبدأ من جديد والخيام
تأخذ ابوابها وجهة أخرى !
الاشياء المعاده ممله , تفتت المراره , وتذبح الروح
قال ابي لامي :
- سئمت ! كرهت رائحة البصل تحت إبطيكِ ...
ووجوه الجارات الكئيبه , وطاقة الفرج في الفنجان
التي لا تفتح , والعجين الذي لم يخمر في المعجن
منذ البارحه , والعنزة التي لم تأتي بتوأم رغم أن
التيس شامي , والبومه النائمه تحت حاجبيكِ حتى
الصباح والاجنحه التي لا تطير من حدقات عينكِ
منذ دهور ! يا امرأه كونيواحدة أخرى لمرة واحده
كوني أخرى ! أنا رجلُ آخر ظنوني مؤكده , كالحقيقة
فيما أرى ! ولأبي حكايات أخرى وقصص مكتوبه على جدران الريح,
لا أدري من أين يلم أبي رؤياه ورؤاه , أو كيف يعيد الاشياء
المطحونه الى سابق عهدها , وكيف يفتح آفاق اللغه لينهل
منها كل عجيب وغريب , ويغرف أبعاد الحرف , وسطوة الكلمه
والساكن منها والمسكون , والمفتوح على الاخر , والملغي منها
أكثر في اعراف أبي المسكون بلعنة الاشتقاق والاختراق , والمتيبس من حرف مشدود , والمقهور من الجر ,والملتوت
بافعاله , والساكن من شدة غربته , والمستثنى من فعل مبطوح !
أبي ... رجل آخر ...
( لذا تزوج بأخرى !)
رحلوا الى الشمال ..
لماذا الشمال ؟
هناك ترقص الصبايا من جديد ...ودائما ثمة
راقصون جدد , هناك تعاد الاغنيات , وتشعل
النيران بحطب جديد , وتبنى الخيام من جديد
هناك ....
عمرك ناقص لا يزيد !
تتردد الاغنيات مثل هديل الحمام فوق تلال
البيادر , مثل صوت الريح وانت حزين ! وثمة
مدى واسع وصبيان يطلعون من بين الصخور ,
ما بين الاجمات المحروقة بالشموس , مثل
الغيم الابيض يسحان على كتف الجبل الازرق ,
حول اكليل المدى , حيث العشب ندى , رقيق كوجه
الماء كجناح فراشة خجوله !
هل قلت لكم
أن امي اعلنت احتجاجها بوجه ذات مساء :
- نفسي أشوفك نظيف ومهندم مثل بقية الزلام النظيفين ؟!
-نفسي مره وحده اشوفك بتضحك مثل ما بيضحك رغيف الخبز الساخن اللي بتعجنه في لقمتين ؟!
-؟؟؟!!!
-نفسي أحس يا ربي انه الزلمه اللي نايم على جنبي بني آدم من دم ولحم , وانه له يد انسان دافئه , ومش خشبة فاس بارده , وحجر من حجارة الوادي !!
-نفسي ...
-نفسي ...
-نفسي ...
آآآ... شو نفسي ؟ على كل حال حصوه زغيره بتسند الزير المايل !! وخلقة باب بيرد الكلاب ! وما اسمك الا ابو العيال وزلمة البيت !
-؟؟!!
-يا زلمه روح روح .... منك لله ؟! الحكي معك هو وقلته واحد !
-؟؟!!
- اذهب هناك حيث الاعماق ...فثمة رمل بانتظاركَ وثمة
برد تحتويه الجهات , اذهب ولتحرسك اوجرة الثعالب , ونعيب الريح
وظلال الغيم الاسود , والقوافل التائهه وأشباح المسافات
" أمي بصله وأبي خشبة فاس "
****
أبي ..
لا اعرف ان كنت احبه ؟ أم العنه ؟ ابي زمن آخر !
ولغة أخرى , وريحٌ أخرى , ودهشة مختلفه , لا بد ان
ابي طينة الحكمه التي سمعت عنها في مكان ما ..
كثيرا ما رأيته يتكلم مع الندى , مع الفجر ,
مع عربات الوقود البليده , مع الغيم . مع المساحات
اليابسه , مع الطيور التي تخبىء سقسقاتها بين شجيرات
الغضا , والزعرور , والصّر وحرمل الطرقات ....
ابي يتقن لغة المجهول , والقول الغريب ,
والخرافه , والعشب اليابس والاخضر , ويتقن لغة الرمال
الابيض , والاحمر التي حمستها شموس الزمان ...
ذات فجر قال ابي ونحن نعبر الصحراء نصف نيام :
- تريث! حينها كنا نمشي نحو البعيد ... ونشرب ريح الجنوب
قبل ان تشربها الشموس الطالعه .. جثا ابي على ركبتيه
وتلمس الارض , فر مثل طائر خرافي بمخالبه , وجمع
الطين في حفنتيه , وتشمم رائحته ثم نثره أو ربما أعاده الى مكانه
ثم وقف ! احتوى الجهات في عينيه مرات ومرات ! نظر في وجهي
مبتسما .
رأيت أسنانه من أسفل شاربه الذي يغطي شفته , كانت ناصعة كوجه
الصباح والرمل المغمور بندى الوقت الخجول ....
قال :
- أبشر يا ولد ..... سيهدر السيل بعد قليل .
كان الوادي حينئذ ينتشر كالبحر ... ابيض لامعا من كثرة
ما التم في احشائه .. من حجارة مغسوله ....
قال :
- عد سريعا يا ولد الى مزرعتك ... خذ جوادك واسرع قد لا يسعفك الوقت !بعد ساعة واحده صار وجه السماء عجوزا .. وخدود الارض عجينا , تدفقت أوردة المكان , باحلام ابي ورؤياه ,
في تلك الايام شرب ابي بحرا من الفرح !
قالت أمي :
- سيذبحه الرمل قال لها :
- أفضل من الذبح في احضان الحطب المحروق والرائحة البارده . ****
رحلوا الى الشمال .....
أقسم انهم رحلوا , مع خيامهم , نحو تخوم الشمال ,
حيث الوجوه جديده , والرقص جديد , والارض اكثر
اخضرارا ومتعه , وشجر البلوط واقف حول مجاري المياه
الازليه الواقفه !
رحلوا وبقيت وحدي اتجرع الشكوى , وحسرتي , واشم قفا يدي
باحثا عن بقية رائحه , لمسه دافئه , نفسا حنونا يخترق الجلد والعظم !
-هل اختبرت خدرا لذيذا من قبل ؟! او وجعا تستسلم لوخزه وتود لو انه يطول ...
ويطول.... حتى آخر العمر !
- إذهب هناك اذا !.
حيث تكون الخيام اجنحة ملونه
حيث تكون الجبال اكثر حنواً من كفوف الجدات الموغله في الوشم !
حيث جسد الارض حناء ودحنون ودمعة صادقه.
حيث تكتحل عيناك للمره الاولى ببيادر الشعر المسفوح مع الريح !
أبي
أدهشته اني صرت اكثر صمتا وأكثر فرحا !
فقال لي :
-بدأت تشبهني يا ولد ! حين كنت في مثل عمرك كنت اشرب البحر , واعود لمضغ طيوره
وامواجهه على مهل
- بدأت تكبر يا ولد ... بدأت تكبر
(" يا لجهل أبي اني ما زلتُ صغيرا ")
| |
|
مودي الخطير سبع فعال
الجنس : عدد المشاركات : 378 العمر : 30 اعلام البلاد : تاريخ التسجيل : 10/05/2008
| موضوع: رد: جـــَهــلُ أبــــي الجمعة أكتوبر 02, 2009 11:55 am | |
| قصة رائعة
وجميلة
"قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا "
تحياتي
| |
|