"نور ومهند" والاجتياح التركي

"نور ومهند" والاجتياح التركي!
في رمضان من العام المنصرم سيطر "أبو عصام" وشباب حارته على عقول مواطني العالم العربي من الميحط إلى الخليج، وروجوا للمسلسل وأبطاله حتى أصبح في أفضل خانة المسلسلات العالمية ، وفتحت عشرات المحال التجارية باسم باب الحارة في الوسط العربي تيمنا بأبطاله، ولا نعرف إن كان الكثيرون سيفكون الحرمان عن مشاهدة باب الحارة بسبب "موت" ابو عصام هذه السنة، مع اقرارنا بالجوانب الايجابية في هذا المسلسل، ولكن الهوس الزائد لدى المواطن العربي لا حدود له .

وما زلت أذكر ذلك اليوم الحار في شهر رمضان من العام الماضي وفي ساعات الصباح عندما كنت في العيادة وجلست جانبي سيدة في الخمسينات من عمرها لا أعرفها وسألتني هل طلق ابو عصام زوجته؟

وهذه الأيام تجلس الجماهير العربية قاطبة بنسائها وأطفالها وعجائزها لمتابعة المسلسل التركي المدبلج "نور ومهند"، ومسلسل "سنوات الضياع".

فبعد أن انتصرت الأمة العربية ونجحت في الوصول إلى الكوكب الصخري "القمر" وتحررت من العبودية ، ووصل المجتمع العربي لأعلى درجات الرقي الحضاري والثقافي لم يبق امامه سوى هدر أوقات الفراغ والترفيه عن نفسه في هوايات مختلفة من ضمنها المسلسلات المدبلجة، عبر الفضائيات التي كانت بالامس ستخضع لوثائق الشرف الإعلامية، فأصبح الاجتياح التركي في طريقه إلينا، الثقافة العلمانية السطحية ترسم خطوطها الصفراء، أما شركات السياحة في الدول العربية فبدأت تجمع الملايين من ثمن "الحج" إلى قصر نور ومهند في تركيا .

وكان هذا المسلسل قد استفزني منذ بدايته، بسبب لهفة الناس الشديدة عليه ، لاننا لم نر يوما أناسا يحترقون أو يتناقشون يوميا مثلا على برنامج علمي أو وثائقي،أو إصدار أدبي ، أو مسلسل تاريخي، ما كنت أعيره اهتماما وأكتب فيه مقالا لأنه لا يستحق كل ذلك الترويج الإعلامي لولا أن الأمر أصبح يثير الاشمئزاز. وكأن مهند أصبح المسيح المنتظر ، وقبل يومين أصابني الهلع عندما سمعت جدتي وبعد العاشرة ليلا تصرخ " طخوه...قتلوه " فاعتقدت ان جريمة قتل قد حدثت ، وعندما استفسرت عن الأمر علمت أن مهند تعرض لإطلاق نار من عشيق زوجته والذي يدعى "عابدين" والذي خطف زوجته ثم أطلق الرصاص عليه.

ولست أدري ما هي حاجة المطمطة في مئات الحلقات، هل هو مسلسل تاريخي؟ وما هي حاجة المشاهد أن يجلس يوميا وعلى مدار شهور قبالة الشاشة وهدر مئات الساعات سدى ، والتي إذا جمعناها قاطبة من المحيط إلى الخليج واستثمرناها في انجازات مهمة أو ابداعات مختلفة لاهتز العالم .

ونستعرض نموذجا من دولنا العربية لأمثلة عن تأثير مهند وزمرته على النساء، وللهوس الجنوني ، ولا بد ان الكثيرين قراوا وسمعوا عن حالات وقصص في هذا الموضوع.

ففي السعودية مثلا قررت الفتيات الزواج من الأتراك، وفي الأردن تناقلت مصادر إعلامية نية لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب الأردني وضع الدراما التركية على طاولة البحث لوضع خطط استراتيجية تواجه ما يراه البعض «ثقافة غير إسلامية» وبشكل أساسي في ما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين.

أما عن حالات الطلاق والمشاكل التي حدثت بين الأزواج ومقارنة الزوجات أزواجهن بمهند فحدث ولا حرج ولا يمكن حصرها في صفحات ، بينما الشباب يبحثون عن فتاة تشبه "لميس".

ومن الأمثلة التي أعرفها تحديدا ان احدى السيدات وهي حامل قررت تسمية ابنتها "ألمى" نسبة للطفلة في المسلسل ، وأحد الأطفال الذي يدرس في صف البستان سألتهم المربية هل تحضرون نور؟ فسأل الطفل امه من هي "نور" فسردت له الرواية .

وأحد سائقي رهط مروح في الأربعينات والذي ركبت معه إلى ألجامعه قبل فتره، بدأت يتحدث بتفاصيل دقيقة ومتحمسة عن نور ومهند وبدا يشعل السيجارة تلو الأخرى وأعصابه متوترة، وسألته عن الانفعال فقال من أين جاءت لنا زوجة مهند الأولى ؟؟ " شيء يحرق الدم"، وأضاف هذا الرجل بأنه يحضر المسلسل 3 مرات في اليوم.

على الصعيد الشخصي أؤمن أن هذه البرامج أتت خصيصا وبعد دراسات معمقة من أذرع خاصة هدفها ليس الترفيه والتسلية فهناك الكثير من البرامج المفيدة والمسلية، بل جاءت لضعضعة الفكر العربي وزعزعة ما تبقى من أخلاقيات وأسس دينية لدى المواطن العربي ، في قالب فكري واستمعار مبطن من تيارات الغزو والانحلال .

وهذه بعض الصور التي استنتجتها من خلال استماعي لأحاديث الناس في المجالس العامة عن مسلسلي نور وسنوات الضياع في فضائية ال ام بي سي "المقدسة" وتحديدا في الخامسة عصرا، والعاشرة ليلا ، الخمر للاحتفال او تخفيف الهم والمنغصات ، القمار للكسب المادي ،الصداقة فى إطار الزنا ، الحمل السفاح ، الزواج من مطلقة حامل لم تنته عدتها بوضع الحمل ،عدم احترام الوالدين والصراخ فيهم ،الغدر والخيانة ، خيانة الزوج على عينك يا تاجر ، التفكك الأسري ، تكريس الكذب والغاية تبرر الوسيلة ، العري والملابس الفاضحة ، واللقطات المخجلة.

في نهاية المطاف ما هو سر الانجذاب لهذه المسلسلات ؟ هل هو الثقافة السطحية والقشور التي يتمسك بها الكثير؟ هل هو حب القيل والقال؟ أم أن الشعوب العربية متعطشة إلى الرومانسية؟ أم أن العيش في الخيال والوهم صنعتها؟ أم ان النساء يعانين من الفراغ الفعلي ولا توجد مؤسسات تأويهن وتشغل وقت فراغهن؟ أم هو الجمال والعيون الزرقاء والشعر الأشقر والقد المياس والنعومة الزائدة الذي يفتقده الشباب العرب؟ أم هي "سنوات الضياع" التي يعيشها المواطن العربي بالفعل؟ تساؤلا ت كثيرة ..، ربما تكون لها اجابات عند اختصاصيين نفسيين واجتماعيين ، لكن في النهاية كل مشاهد يعرف ما الذي يجذبه ويستهويه، ويعرف إذا كان حقا أن حرق 200 أو 300 ساعة من أيام حياته لمتابعة هذه المسلسلات ستنتج له ولأبنائه ثمارا مفيدة يمكن قطفها لاحقا ؟!